هذه القصيدة كتبها هاشم الرفاعى عام 1957م على لسان لاجئ فلسطيني :
وصـيّــة لاجــىء
أنا يا بُنيَّ غدًا سيطويني الغسقْ ـ ـ ـ ـ لم يبقْ من ظل الحياة سوى رمقْ
وحطام قلب عاش مشبوبَ القلقْ ـ ـ ـ ـ قد أشرق المصباح يومًا واحترقْ
جفَّت به آماله حتى اختنقْ
فإذا نفضت غبار قبري عن يدك ـ ـ ـ ـ ومضيت تلتمس الطريق إلى غدك
فاذكر وصية والدٍ تحت التراب ـ ـ ـ ـ سلبوه آمال الكهولة والشباب
***
مأساتنا مأساة شعب أبرياء ـ ـ ـ ـ وحكاية يغلي بأسطرها الشقاء
حملت إلى الآفاق رائحة الدماء ـ ـ ـ ـ أنا ما اعتديت ولا ادخرتك لاعتداء
لكن لثأر نبعه دام هنا ـ ـ ـ ـ بين الضلوع جعلته كل المنى
وصبغت أحلامي به فوق الهضاب ـ ـ ـ ـ وظمئت عمري ثم مت بلا شراب
***
كانت لنا دار وكان لنا وطن ـ ـ ـ ـ ألقت به أيدي الخيانة للمحن
وبذلت في إنقاذه أغلى ثمن ـ ـ ـ ـ بيدي دفنت أخاك فيه بلا كفن
إلا الدماء وما ألمَّ بي الوهن
إن كنت يومًا قد سكبت الأدمعا ـ ـ ـ ـ فلأنني حُمِّلت فقدهما معا
جرحان في جنبيّ ثكل واغتراب ـ ـ ـ ـ ولد أُضِيع وبلدة رهن العذاب
***
تلك الربوع هناك قد عرفتك طفلا ـ ـ ـ ـ يجني السنا والزهر حين يجوب حقلا
فاضت عليك رياضها ماءً وظلا ـ ـ ـ ـ واليوم قد دهمت لك الأحداث أهلا
ومروجك الخضراء تحني الهام ذلا
هم أخرجوك فعد إلى من أخرجوك ـ ـ ـ ـ فهناك أرض كان يزرعها أبوك
قد ذقت من أثمارها الشهدَ المذاب ـ ـ ـ ـ فإلامَ نتركها لألسنة الحراب
***
حيفا تئن أما سمعت أنين حيفا ـ ـ ـ ـ وشممت عن بُعد شذى الليمون صيفا
تبكي إذا لمحت وراء الأفْق طيفا ـ ـ ـ ـ سألته عن يوم الخلاص متى وكيفا
هي لا تريدك أن تعيش العمر ضيفا
فوراءك الأرض التي غذت صباك ـ ـ ـ ـ وتود يومًا في شبابك لو تراك
لم تنسها إياك أهوال المصاب ـ ـ ـ ـ ترنو ولكن ملء نظرتها عتاب
***
إن جئتها يومًا وفي يدك السلاح ـ ـ ـ ـ وطلعت بين ربوعها مثل الصباح
فاهتف سلي سمع الروابي والبطاح ـ ـ ـ ـ أنِّي أنا الأمس الذي ضمََدَ الجراح
لبيك يا وطني العزيز المستباح
أولستَ تذكرني أنا ذاك الغلام ـ ـ ـ ـ من أحرقوا مأواه في جنح الظلام
بلهيب نار حولها رقص الذئــاب ـ ـ ـ ـ لفَّت صباه بالدخان وبالضباب
***
سيحدثونك يا بُنيَّ عن السلام ـ ـ ـ ـ إياك أن تصغى إلى هذا الكلام
كالطفل يخدع بالمنى حتى ينام ـ ـ ـ ـ لا سِلمَ أو يجلو عن الوجه الرغام
صدقتهم يومًا فآوتني الخيام
وغدا طعامي من نوال المحسنين ـ ـ ـ ـ يلقى إليّ إلى الجياع اللاجئين
فسلامهم مكر وأمنهمُ سراب ـ ـ ـ ـ نشر الدمار على بلادك والخراب
***
لا تبكينَّ فما بكت عين الجناة ـ ـ ـ ـ هي قصة الطغيان من فجر الحياة
فارجع إلى بلد كنوز أبي حصاه ـ ـ ـ ـ قد كنت أرجو أن أموت على ثراه
أملٌ ذوى ما كان لي أمل سواه
فإذا نفضت غبار قبري عن يدك ـ ـ ـ ـ ومضيت تلتمس الطريق إلى غدك
فاذكر وصية والدٍ تحت التراب ـ ـ ـ ـ سلبوه آمال الكهولة والشـــباب
سمعتها بصوت شيخ الأقصى رائد صلاح فهزت القلب والوجدان
تذوقوا طعم الشتات واللجوء بين حروفها؛ مرٌ لكنّه رائع ؛ففيه رائحة الوطن
!